الجمعة، 17 ديسمبر 2010

كيف ندخل السرور على أنفسنا وعلى الآخرين



- إن من أبرز مشاكل هذا العصر ، هو : فقدان الارتياح النفسي وغلبة الهموم وقلة السرور.. ولهذا نلاحظ للهروب من هذه الحالة أن البعض منهم يذهب إلى بعض الأماكن ، مثل المطاعم أو شاطئ البحر ،أو -لا قدر الله- تراه يذهب إلى مكان محرم مثل الملاهي الليلية أو ما شابه ، ليعيش حالة الارتخاء والسرور الكاذب ، وما هي إلا سويعات وتمضي ثم يعود إلى همه وكآبته.. والقرآن الكريم يشير إلى هذه الحالة ، حيث يقول تعالى }:ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون{ ، ويشبههم بالأنعام في آية أخرى }:إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً}.



إذن، تبين أن هذا ليس إلاصورة من صور المتع واللذائذ المتعلقة بالبدن ، وأما السرور فإنه ذلك السرور المستمرالمستقر في القلب ، الذي يرافق الإنسان في جميع حالاته : في الصحة والمرض ، وفي المستشفى وخلف قضبان السجون ، وفي ساعة الاحتضار وفي القبر ، وفي عرصات القيامة وفي الجنة ، إذ في ذلك اليوم يكون حالهم كما يصفه قوله تعالى }:فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقَّاهم نضرة وسرورا{ ، ففي يوم القيامة يكون المؤمن في أعلى درجات السرور ، ولكن هذا السرور هو امتداد لسرور متصل في الحياة الدنيا.. كما نقل عن إمامنا الحسين (ع) بأنه كان يعيش حالة السرور في يوم عاشوراء - وأي سرور هذا وقد فقدَ أعز أولاده وإخوته وأصحابه !- ، كان (ع) كلما اشتدعليه البلاء أشرق لونه الشريف ، وأما بكاء أهل البيت (ع) فهو من خشية الله تعالى في مناجاته أو بكاءً للأمة ، فالحسين (ع) لم يبكِ لنفسه أبداً ، بل إنه كان يعيش حالة السرور المتصل.




إذن، المؤمن لا يمكن أن يعيش حالات الاكتئاب أو الانهيار العصبي ، بل هو في حالة الهدوء والاطمئنان النفسي ، فهو يضع نصب عينيه وفي قلبه ذكر الله عزوجل ، وذكر القيامة وأهوالها ، ويتأسى بماجرى على أنبياء الله تعالى وأوليائه الصالحين ، ويذكر أهل البيت (ع) ومصائبهم ، ويقوم بتكليفه والله عزوجل هو رب هذه الأمة وهو خير الحافظين.


-من موجبات السرور :
* الانسجام مع هذا الوجود المطيع لأمر ربه.. قال تعالى مشيراً لاستجابة السماوات والأرض لأمره تعالى }:ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين{.. إن المعاصي والذنوب ظلم للآخرين وتعدي عليهم، وهي بذور للقلق في القلب ، ولا شك أن الإنسان العاصي هو شاذ عن هذا الوجود المطيع، وإن الله عزوجل يمهل ولا يهمل ، فتراه يجمع له كل المخالفات المتراكمة ، وإذا به ينهار عصبياً ، ويفلس مادياً ، وين**ر اجتماعياً.. وفي المقابل نجد أن الذي يدخل السرور على قلوب المؤمنين ، وخاصة ذوي القربى من الوالدين والزوجة ، يقول عنه إمامنا علي (ع) : (والذي وسع سمعه الأصوات ، ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا وخلقالله من ذلك السرور لطفاً) . فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يردّها عنه ، كما تطرد غريبة الإبل).. معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يدفع عنالإنسان أقداراً مقدرة من البلايا والنكبات والمشاكل ، في مقابل ذلك السرور الذي أدخله على أخيه المؤمن.


*إرضاء الله تعالى من خلال إرضاء المؤمنين وقضاء حوائجهم.. هناك رواية طريفة نلاحظ فيها نكات جميلة-من المعلوم في عهد الحكم الأموي والعباسي ، كان البعض ممن يرتبط سراً بأهل البيت (ع)يتقلدون مناصب مهمة كعلي بن يقطين وغيره ، قضاءً لحوائج المسلمين- : عن رجل من أهل الري قال : ولّي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد ، وكان عليّ بقايا يطالبني بها ، وخفت من إلزامي إيّاها خروجاً عن نعمتي ، وقيل لي : أنه ينتحل هذا المذهب ، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك فأقع فيما لا أحب ، فاجتمع رأيي على أني هربت إلى اللـه تعالى ، وحججت ولقيت مولاي الصابر - يعني موسى بن جعفر (ع) - فشكوت حالي إليه فأصحبني مكتوباً نسخته : بسم اللـه الرحمن الرحيم اعلم أن لله تحت عرشه ظِلاً لا يسكنه إلاّمن أسدى إلى أخيه معروفاً أو نفّس عنه كربة ، أو أدخل على قلبه سروراً ، وهذا أخوك والسلام . قال : فعدت من الحجّ إلى بلدي ، ومضيت إلى الرجل ليلاً ، واستأذنت عليه وقلت : رسول الصابر (ع) فخرج إليّ حافياً ماشياً ، ففتح لي بابه ، وقبّلني وضمني إليه ، وجعل يقبّل بين عيني ، ويكرّر ذلك كلما سألني عن رؤيته (ع) ، وكلما أخبرته بسلامته وصلاح أحواله استبشر وشكر اللـه ، ثمّ أدخلني داره وصدّرنــي في مجلسه وجلس بين يدي ، فأخرجت إليه كتابه (ع) فقبّله قائماً وقرأه ثم استدعى بماله وثيابــه ، فقاسمني ديناراً ديناراً ، ودرهماً درهماً ، وثوباً ثوباً ، وأعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته ، وفي كلّ شيء من ذلك يقول : يا أخي هل سررتك ؟ فأقول : أي واللـه ، وزدت على السرور ، ثم استدعى العمل فأسقط ما كان باسمي وأعطاني براءة مما يتوجّه عليّ منه ، وودّعته ، وانصرفت عنه . فقلت : لا أقدر على مكافأة هذا الرّجل إلاّ بأن أحج في المقابل وأدعو له وألقى الصّابر (ع) وأعرّفه فعله ، ففعلت ولقيت مولاي الصابر (ع) وجعلت أحدّثه ووجهه يتهلّل فرحاً ، فقلت : يا مولاي هل سرّك ذلك ؟ فقال : أي واللـه لقد سرني وسرّ أمير المؤمنين ، واللـه لقد سرّ جدي رسول اللـه (ص)، ولقد سرّ اللـه تعالى.
إن الإنسان يندى جبينه خجلاً ، عندما يقرأ سيرة هؤلاء الموالين.. فأين نحن وهذه الدرجات !.. إن قضاء حاجة المؤمن لا يتوقف على بذل المال ، أو إسداء معروف ، بل أيضاً حتى مزحة حق ، تفرج بها عن أخيك ، وتخرجه من همه ، فإنها خير من المناجاة والبكاء بين يدي الله عزوجل ؛ وأيضاً مواساته في أزماته المالية ، بقرض يمدد له حتى يتيسر حاله ، ويذكر الإمام الصادق (ع) جزاء هذا المؤمن : (أيما مؤمن نفس عن مؤمن كربة وهو معسر يسر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة ).. وإن من أفضل صور قضاء حوائج المؤمن ، هو إبعاده عن الباطل العاكف عليه ، ليجنبه غضب الله وعقابه.

* تذكر المرحلة المخيفة بعد هذه الدنيا.. لا بأس بين فترة وأخرى أن يحاول المؤمن أن يقرأ بعض ما كتب عن الموت وأهوال القيامة ، وأن يتذكرالقبر وحالة الوحشة المطبقة ، حيث يحتاج إلى أنيس ، فما هو ذلك الأنيس الذي يدخل عليه السرور ؟.. ورد في الحديث عن الصادق )ع) : (إذا بعث الله المؤمن من قبره، خرج معه مثال يقدمه أمامه، فكلما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة ، قال له المثال: لا تجزع ولا تحزن وأبشر بالسروروالكرامة من الله عزّ وجل ، فما يزال يبشره بالسرور والكرامة من الله سبحانه حتى يقف بين يدي الله عز وجل ويحاسبه حساباً يسيراً ، ويأمر به إلى الجنة والمثال أمامه ، فيقول له المؤمن: رحمك الله نِعَم الخارج معي من قبري! مازلت تبشّرني بالسروروالكرامة من الله عز وجل حتى كان ما كان، فمن أنت ؟ فيقول له المثال: أنا السرورالذي أدخلته على أخيك المؤمن في الدنيا، خلقني الله لأبشرك.
* إدخال السرور على قلب مولانا صاحب الأمر (ع).. بلا شك أن قلب مولانا هو أكبر القلوب هماً وغماً واضطراباً ، لا لنفسه ، وإنما لهذه الأمة، ولما يجري عليها من الأحداث والمآسي.. ومن المعلوم أن البعض قد يصيبه الحزن ويذرف بعض الدمع ، عندما يطلع على بعض الأحداث الجزئية هنا وهناك ، فكيف بإمامنا (ع) وهوالمطلع والشاهد لكل ما يجري في هذا العالم على مر التأريخ ؟!.. فلندخل عليه السرورمن خلال دعواتنا ، وصدقاتنا ، والأهم من ذلك العمل بما يكشف هذه الغمة عن هذهالأمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق